في الذكرى السبعين للنكبة
والتي تصادف 15/5/2018م
=============
" الطريق .. إلى حيفا " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
===================
مقدمة :
لـ " حيفا " عندي مكانة خاصة .. فهي مسقط رأسي منذ سبعة عقود خلت ... وبي من الحنين إليها ما يشدني لها ويجعلني أكتب لها وعنها دائماً...
تنويه :
شخوص وأحداث النص حقيقية حدثت على أرض الواقع وليست من وحي الخيال .. ولا فضل للكاتب على النص ... اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب ..
إهداء خاص :
إلى " حيفا " مدينتي ...
وإلى روح البطل الحقيقي للنص... " والدي " رحمه الله
( الكاتب )
------------------------------
" الطريق .. إلى حيفا "؟؟!!
.. من قرى شمال فلسطين .. كان الشباب والرجال يتقاطرون زرافات ووحداناً إلى " حيفا " للعمل وتوفير لقمة العيش الشريف لهم ولأسرهم وعائلاتهم .
" حيفا " مدينة الحركة والنشاط والجمال والحب والعطاء .. ومجالات العمل العديدة المختلفة .. و " حيفا " تعتبر رئة فلسطين من الناحية الشمالية وهي عروس المتوسط بلا منازع وبحق .
العمال بطبيعة الحال كانوا في غنىً عن الوصول إلي " حيفا " بقصد الاستجمام والسياحة .. فهم كانوا يأتون إليها طلبًا للرزق وإيجاد فرص العمل الشريف ولقمة العيش التي يكسبونها بالحلال .
الأجور الرمزية المتواضعة التي كانوا يتقاضونها كانت بالكاد تكفي لأدنى متطلبات العيش الكريم .. خاصة لأولئك الذين كانوا يأتون من قرىً بعيدة عن " حيفا " .
.. ولأنهم لا يستطيعون دفع أجور المواصلات اليومية للانتقال من قراهم البعيدة إلى حيث أماكن عملهم في المدينة الكبيرة " حيفا " .. ولأنهم كانوا لا يستطيعون القيام بدفع أجور للسكن في الفنادق - وحتى المتواضعة جدًا منها - .. أو في شقق أو غرف سكنية مشتركة .. والحال كذلك .. كان يجب عليهم أن يجدوا الحل للمعضلة .
الحل الأمثل كان يتمثل في القيام بإنشاء مساكن شعبية متواضعة جداً من " البراكيات " .. أو " التخاشيب " .. أو" الخشش " العشوائية للمبيت فيها توفيرًا لأجور المواصلات وأجور السكن .
الاختيار – من الجميع – كان قد وقع على منطقة تقع في أطراف ضواحي " حيفا " أطلق الجميع عليها اسم " بلد الشيخ " .
في كثير من الأحيان كانت الأمور تستدعي عودة بعض العمال لمنازلهم في قراهم للاطمئنان على ذويهم وطمأنتهم ولإعطاء الأهل ما توفر لديهم من نقود أو حاجيات وهدايا ابتاعوها من المدينة الكبيرة " حيفا " .
والدي " رحمه الله " - بطل النص - .. كان من ضمن جيش العمال البسطاء أولئك ... كغيره من أهل القرية والقرى المجاورة .
.. بعد أن قام والدي بزيارة القرية لفترة وجيزة .. وبعد قيامه بزيارة والديه وأقاربه .. ومنحهم ما حصل عليه من أجور عمل قام به في المدينة.. كان بصدد العودة إلى " حيفا " لاستئناف العمل من جديد .
فكر بأن يقوم بتوفير أجور المواصلات من القرية إلى حيث كان عمله في " حيفا " بطريقة بسيطة ومتواضعة ..
فقد قرر أن يستقل " الدراجة الهوائية " شبه المتهالكة .. المتواضعة خاصته ... وهو يعلم علم اليقين مدى المشقة والتعب الذي سيحل به من استعمال هذه الطريقة للانتقال من القرية إلى المدينة خاصة وأن المسافة بينهما تبلغ عشرات الأميال .
عندما وصل بدراجته الهوائية إلى مدينة " جنين " والتي تقع في منتصف الطريق تقريبًا بين القرية و " حيفا " , وعن بعد .. لمح سيارة نقل بترول كانت قد قامت بإفراغ حمولتها توًا في إحدى محطات الوقود .. وبدأ السائق بالتحرك صوب مدينة " حيفا " .
طرأت فكرة سريعة إلى ذهن والدي - رحمه الله - بأن يقوم باللحاق بسيارة الصهريج الضخمة والإمساك بإحدى أجزائها من الخلف .. عله يخفف شيئًا من التعب والإرهاق الذي بدأ يشعر به .. ويستغني عن حركة القدمين في " التبديل " لتسيير الدراجة الهوائية .. وكي يوفر شيئًا من الوقت والجهد .
سائق سيارة صهريج البترول الضخمة كان يسير بسيارته على الطريق الواصل ما بين " جنين " و " حيفا " بتمهل وهدوء ... حتى حانت منه التفاتة إلى الخلف ( من خلال مرآة السيارة الجانبية ) لكي يرى الشاب الذي يقود الدراجة الهوائية وهو يتعلق بمؤخرة السيارة بإحدى يديه بينما اليد الأخرى تقبض على مقود الدراجة الهوائية .
.. لم يلبث السائق أن ابتسم ابتسامة غريبة .. ثم بدأ يزيد في سرعة السيارة شيئًا فشيئًا حتى بلغت السيارة سرعتها القصوى .
.. ما هي سوى دقائق معدودات .. حتى كانت الإطارات الداخلية لعجلات الدراجة الهوائية تنفجر بقوة وعنف وتطوح بسائقها في الهواء عاليا لكي تلقي به إلى الأرض بعنف وشدة وقد تهشمت أضلاعه وجدع أنفه وانسابت الدماء الغزيرة من وجهه وأنفه وفمه إثر السقطة العنيفة .
بطبيعة الحال .. فإن الإطارات الداخلية للدراجة الهوائية لم تكن مهيأة أصلًا لمسايرة ومواكبة مثل تلك السرعة الجنونية التي كانت تسير بها إثر ملازمتها لسرعة سيارة صهريج البترول الضخمة .
كما أن قوة وسرعة احتكاك عجلات الدراجة الهوائية بالأرض تسببت في سخونة عالية وارتفاع كبير لدرجة حرارة الإطارات المطاطية مما أدى إلى انفجارها .
.. بعد أن شاهد سائق سيارة الصهريج ذلك المشهد الدامي .. أبطأ من سرعة اندفاع السيارة الضخمة .. وقام بالتوقف بشكل تام .. ثم ترجل من السيارة وراح يقترب من مكان سقوط الشاب الذي كان ملقً على الأرض يتخبط بدمائه .
ابتسم السائق ابتسامة شيطانية ... ضحك بقوة .. قهقه عاليًا ... ثم أدار ظهره وغادر المكان متوجهًا نحو السيارة لكي يستأنف رحلته من جديد .
.. جلس السائق أمام المقود .. قام بتشغيل السيارة .. سار بها ببطء شديد .. قادها بهدوء غريب ... راح يدندن لحنًا لأغنية باللغة العبرية .. لمغنية يهودية مشهورة ؟؟؟!!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق