روح زهير تنهار وهي تتفقد المرابع والديار.
عليك بنفســـــــــك يــــــا زهيـــــر°°°° فلم تعد بحكمــــــــــتك جدير
قوم أطاح العقم بالــــروح والحجى°°°°فكل خصال المكرمات كسـير
فلا حكمة يرجى طــــيب ثمــارها °°°°ولا للشهامة مسـعف ونصــير
لما بركات الله تعــــلن هجــــــرها °°°°تفــر شريدة يطـــاردها الفجور
وتجثو المعالي على الأطلال باكية°°°° شرف رفيــــــع ودم المنحور
اشتاقت روح زهير ومن مستقرها الذي لا يعلمه إلا علام الغيوب، تلك الروح الوثابة بما وهبها الله من عقل وحكمة وروية، من مستقرها أرادت أن تطلع على المرابع وتتفقد أحوال الصحراء وتمتع ناظريها بمشهد الإبل السارحة في الفضاء الذي لم تكن تدري ماحل به. مشاهد الواحات ومنابع الماء الشحيحة، والرياح التي تتلاعب بذرات الرمال شرقا وغربا، كلها مرائي تتلهف لها وتحن إليها ،لكن الأهم عندها والأوفر حنينا وشوقا هي المضارب التي شهدت تأود قد أم أوفى ذات الدلال وسمو الخلال ،أو كبشة الغطفانية أم البنين ،وحظيت بوقع أقدامهما على أديمها، والمنابع التي وردتاها وارتوتا منها، وحيث درج كعب وجبير وترعرعا. ورجْع صدى الشعر الذي تردد بين جنبات تلك المرابع الغنًّاء من قريض الأب والأبناء.
كل ذلك كان همها وغاية مطلبها. إلا أنها صدمت لما وجدت أن الأمر تغيروانقلب، حتى طبيعة الأرض لم تعد توحي بشيء مما كانت عليه. والشي الذي آسف الروح وفت في حماسها، وجعلها تندم على مجيئها، وتفكر في أن ترجع إلى مقرها، حتى لا ترى المزيد مما يفسد الإرث الذي علق بحجاها من مآثر ومفاخر وعزة نفس وإباء، عامل الإحباط هذا مبعثه البشر، فقد ضرب البشر عرض الحائط بالحكمة التي وردت في البيت: ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم° ومن لا يظلم الناس يظلم. القوم بدل ذلك ساعدوا الأعداء على تهديم أسوار عزتهم ،وانتهاك حرماتهم والسيطرة على مقدراتهم ،وأصبحوا عبيدا يأتمرون بأمرهم، ويساعدوهم على تغيير عقيدتهم، والانسلاخ من جلد هويتهم، والتدثر بجلد غيرهم. تذكرت الروح وهي كئيبة مصابة في الصميم قولها: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه °وإن يرقى أسباب السماء بسلم، هالها أن وجدت كمشة من بقايا يهود خيبر خلعوا على أنفسهم اسم إسرائيل واغتصبوا الأرض وداسوا العرض، والعرب الذين كانوا أبطالا صناديد أصبحوا جبناء رعاديد، يهابون المنايا ويخشونها ويبحثون عن الحماة من الأعداء الألداء، ويودون لو يعمر كل واحد ألف سنة ولو كانت تحت نير الاستعباد والرق. وقد فرطوا في كل شيء مقابل حياة الذل والمسكنة. ولما تذكرت البيت الذي أبدت فيه الضجر من رذالة العمر :سئمت تكاليف الحياة ومن يعش° ثمانين حولا (لا أبا لك) يسأم. دهشت لما رأت شيوخا في أرذل العمر وهم يتعلقون بكراسي الحكم ويُسيّرون بما تبقى لهم من فكر مشوش وحلم معوق دولا وشعوبا، ولا تهمهم التكاليف التي لا زالوا يزعمون أنهم أهلا للنهوض بها وتحمل أعبائها ،والتي ستكون بلا شك وبالا بعقابيلها وآثارها. كادت رغم همتها أن تسقط أرضا أصيبت بالدوار لما تذكرت البيت :ومن يجعل المعروف في غير أهله° يكن حمده ذما عليه ويندم. وهي ترى وتسمع عن خيرات العرب وأموالهم ، يأخذها العدو غصبا ويتمتع بها لهوا وفرحا، والعرب الأقرباء والمحتاجون منهم ومن بني ملتهم يموتون تحت ظل المسغبة والمرض، زاد ألمها ونكدها بهذا وأكثر لما تذكرت البيت: ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله° على قومه يستغن عنه ويذمم، وهي ترى الكثير من العرب والمسلمين يعانون الجوع ،وزيادة على الجوع يحاصرون ويضيق عليهم من طرف بني جلدتهم وفي غزة يموت الأطفال جوعا جراء الحصار بينما الفضل من أصحاب الثروات الطائلة من العرب الذين لم يبق لهم من العروبة سوى النسب واللقب كل فضلهم يذهب لأعداء الأمة .لم تستطع هذه الروح الرقيقة مرهفة الحس أن تواصل ما بدأته بما أصابها من هم وغم بالكاد استطاعت أن ترفرف بجناحيها عائدة من حيث أتت تحدوها آهات الكآبة والغصة، ولسان حالها يردد يا ليتني لم استطلع حتى لا أرى وأسمع ما يقض المنام والمضجع. 27-5-2018 أحمد المقراني
0 التعليقات:
إرسال تعليق