أَيْنَ الَّتِي أَزْمَعَتْ هَجْرِي بِلَا عُذْرِ فَضَامَنِي دُونَهُ الْأَنْفَاسُ مِنْ صَدْرِي
أَلْهَجْرُ يَبْكِي حَبِيسَ الشَّوْقِ حِينَ يَرَى
أَمَرَّ مِنْهُ وِصَالَ الصَّبِّ فِي الْهَجْرِ
مَا شَفَّنِي الْوَصْلُ إِلَّا حِينَ شَوَّقَنِي
عَلَى النَّوَى أَثَرٌ ، كَالطَّيْفِ إِذْ يَسْرِي
مَا أقْبَحَ الْوَصْلَ فِي هِجْرَانِ فَاتِنَةٍ
جَمْلَاءَ ، إِذْ قَدْ بَدَا بَحْرًا بِلَا دُرِّ
أَلسَّلْوُ أَصْعَبُ مِنْ حَالَيْنِ ، بَيْنَهُمَا
قَدْ سَلَّنِي الشَّوْقُ مِنْ سَلْوٍ بِلَا أَزْرِ
مَنْ قَدْ تَسَاكَبَ مِنْ أَشْوَاقِهِ دَمُهُ
تَاهَ اصْطِبَارُهُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ
مَنْ قَدْ تَبَدَّى حَنِينُ الْقَلْبِ عَنْوَتَهُ
أَقَامَ دَمْعُهُ بَيْنَ الثَّغْرِ وَالنَّحْرِ
قَالَ الْخَلِيلُ : تَوَخَّ الصَّبْرَ مُعْتَزِمًا
فَقُلْتُ :لَوْلَا الْجَوَى مَا عَافَنِي صَبْرِي
أَبْدَيْتِ مَا شَاءَتِ الْأَيَّامُ إِذْ صَرَمَتْ
وَصْلًا ، سَفَحْتُ لَهُ دَمْعِي عَلَى ذُعْرِ
إِذْ يَظْهَرُ الَّليْلُ يُبْدِي الطَّيْفُ صُحْبَتَهُ
فَيَمْكُثُ الْشَّوْقُ مَكْثَ الْجُرْحِ بِالطَّيْرِ
مَا كَانَ طَيْفَكِ لَكِنَّ الْغَرَامَ لَهُ
سِيْمَى الَّتِي شَوَّقَتْ طَرْفِي إِلَى الْخِدْرِ
يَقْتَادُ عَقْلِي جُنُونُ الْقَلْبِ مِنْ وَلَهٍ
وَنَاظِرِي غَافِلٌ عَنْ غُرَّةِ الْبَدْرِ
قَدْ أَيْقَظَتْ مِرَّتِي فِي الْحُلْمِ غَانِيَتِي
إِذْ نَابَ قَلبِي جُنُونٌ ، فَاعْتَلَى قَدْرِي
قَدْ أَشْبَهَ الْبَالُ حُلْمِي إِذْ قَطَنْتِ بِهِ
فَانْتَابَنِي الْوَهْمُ مِنْ طَيْفٍ عَنَا بِشْرِي
مَا رَامَ قَلْبِي إِذِ التَّشْوَاقُ أَوْفَدَنِي
إِلَيْكِ إِلَّا صُحُوَّ الْقَلْبِ فِي الْفِكْرِ
آثَرْتُ لِلْعَيْشِ مَنْ أَهْوَى ، فَكَدَّرَهُ
مِنْ حُبَّتِي الْوَجْدُ بَيْنَ الْأَضْلُعِ الْحُمْرِ
أَرْنُو إِلَى الْقَلْبِ مِنْ دَمْعٍ أُكَفْكِفُهُ
فَيَنْفُذُ الْقَلْبَ مَوْجُ الْعِشْقِ إِذْ يَفْرِي
مَنْ يُرْقِىءِ الدَّمْعَ إِذْ يَسْمُو عَلَى أَلَمٍ
يَرْضَ الْحِمَامَ عَلَى رَمْضَاءَ مِنْ صَخْرِ
لَا تَبْكِ إِذْ تَبْتَغِي مَا لَسْتَ تُدْرِكُهُ
هَلْ يَجْبُرُ الدَّمْعُ عَظْمًا بَادِيَ الْكَسْرِ
لَوْلَا الصَّبَابَةُ لَمْ أَرْقُبْ لِجَائِشَتِي
مَوْتًا ، حَلَاوَتُهُ فِي طَعْمِهِ الْمُرِّ
إِنَّ الصَّبَابَةَ دَاءُ الْبَيْنِ ، يَأْلَفُهُ
مِنِّي الْفُؤَادُ وَثَغْرِي غَيْرُ مُفْتَرِّ
فَالْعَيْنُ تَمْكُثُ مِنْ جَرَّاءِ أَدْمُعِهَا
كَغَيْمَةٍ أَسْبَلَتْ قَطْرًا عَلَى قَطْرِ
لَوْ كَانَ يُنْجِدُ دَمْعُ الْبَيْنِ ذَارِفَهُ
لَمْ يَحْوِهِ ظَمَأٌ فِي أَرْضِكِ الْقَفْرِ
بَايَنْتِنِي فِي حَيَاةٍ خَابَ وَامِقُهَا
بَايَنْتُ طَيْفَكِ فِي حَتْفٍ عَلَى الذِّكْرِ
يَهْوَى الْفَتَى فِي سَبِيلِ الْمَوْتِ مُهْجَتَهُ
لَكِنَّ رَائِدَهُ هَاوٍ عَلَى ضَيْرِ
مَنْ كَانَ يَجْهَلُ أَنَّ الْمَوْتَ مُرْتَقِبٌ
مَنْ لَيْسَ يَرْقُبُهُ،أَصْدَى وَهْوَ لَا يَدْرِي
إِنْ فرَّقَ الْبَيْنُ بَيْنَ اثْنَيْنِ شَاءَهُمَا
فَالْمَوْتُ يَفْرِقُ بَيْنَ الْأَنْمُلِ الْعَشْرِ
ألشاعر الدكتور:نصرالله فخرالدين