لقاء الصدفة والميعاد (افتراضيات للأماني تلبي، فرصة لقاء المتنبي )
ضقت ذرعا بجدران المدينة والحياة الرتيبة أمام الحاسوب وما في الحاسوب، فخرجت إلى الضواحي ألتمس بعض النسمات الندية والمرائي البهية، القمر بجميل الضياء ،زاد المشهد روعة وبهاء.وبينما أنا أسير وقد أخذني الحنين إلى زمن الصبا لما كانت لنا مزرعة متواضعة في الريف وفيها رغم تواضعها كل ما يبهج النفس ويزيل الهم عن القلب،وبينما أنا أسير إذ سمعت جلبة فأصخت لأتبين شيئا منهاإنهم جماعة من الجنسين ومن مختلف الأعمار افترشوا بساط الحشائش الخضرا المطرزة بشتى ألوان الأزهار،جمع اختلطت فيه اللهجات وأساليب التعبير،وأغلبها يتناول الغزل والتشبيب، والإشادة بمواصفات الحبيب، وأقصى الآمال في الوصال واللقاء القريب. وغير بعيد من ذلك بدت شجرة وارفة الظلال وبالقرب منها قبر يتيم قطر الوحشة عليه مدرار، لا أليف يؤنسه ولا جار. تعجبت واقتربت وفي العين آثار دمعات، وفي الصدر شيء من الآهات، ولحد اليوم لا أعرف ماهية المسببات. ذهلت لما قرأت على لوحة القبر :هنا يرقد الشاعر القدير صاحب الإنتاج الغزير، المعلم والمربي أبو الطيب المتنبي،وما إن أتممت قراءة اللوحة حتى سمعت تكتكة وزلزلة أحدثها تشقق في جوانب القبر، ذهلت وشلت أطرافي فتسمرت، وبقيت فقط أسمع وأرى ،ظننت أن يوم الحشر هل ولم أقبض بعد .وبيد تخالها جذع شجرة دفع الجزء العلوي من القبر، وخرج العملاق الذي تبين في ما بعد أنه المتنبي بعينه ومينه ، تقدم من الجمع شاهرا سيفه.عدم اهتمامهم بمجيئه دليل على انه فقط كان شبحا لا يرى لكنني ازعم أنني رأيته؟.
وجد القوم يعربدون وواقعهم يحكون يتقولون وينشدون ويغنون استوقفه أحدهم وشد انتباهه ولعله صدمه وهو يردد:
عش حياتك مفتون الغناء والنشيد °°°بيــــن كأس اللـمى وري الخدود
ومــن الزمان سويعــــاته اغــنم°°°في وصال ودع منغصات الصمود
لا تشـــتغل لبك بكفاح الأعادي°°° ولا بــــــإرث مــن كنـوز الجدود
ولا بغل يدمي فيــك الجـــراح°°°ولا بـــذلّ مــــن يومــيات العبـــيد
حسبك كـــأس المـــدام شفـــــاء°°°ورحــيق الرضـاب ولــثم الخــدود
ودندنْ للغرام بصوت الحَمـــام °°°واخشَ الحِمام وتـُــقْ بـذا للخــــلود
توقف الشاعر وقد بدا عليه الذهول ارتخى ساعده وثقل عليه حمل السيف واستمر في الارتخاء إلى أن انهارت حبوته وفكت قبضته فسقط سيفه المهند على الأرض،وبحركة يغلب عليها الارتعاش والتردد أخرج خرقة بيضاء من ثنايا إهابه ورفعها فوق راسه عنوان الاستسلام لطقوس الغرام والهيام.
سقط السيـــف من يميـــنه لما°°°غـــزت قلـبه عاديات النـهود
نسي الفخر فلات حين رجوع°°°لساح الوغى وخـفق البنـــود
وتعلق فــــــــكره بذات جمال°°°بجيد المها وسامـقات القــدود
وأثيث من قطع الليــل صيغ°°°وعيون الضبا على وجـه غــيد
نسي ما كان من بطولات قرم°°°أذهل الناس برائعات القصـيد
انبرى يســـــاير الخوض لما°°° أصبح ذاك من سمات الجديد
كأمة عشش التـــــــواكل فيها°°°ومضى يـرتاد خـــرق الحدود
استمر الشاعر مأخوذا بواقع الأمر منخرطا لحد النخاع في الهيلمان، وقد ضاع منه شيء من الوقار والهيبة، إلا أن ذلك لم يلبث طويلا.وكمن صُبَّ عليه دلو من الماء البارد،استعاد الشاعر وعيه وتوازنه فأسرع يلف نفسه بكفنه ويتوارى في غيابات قبره، ويسحب على نفسه بناء الرمس وينام مطمئنا كما كان راضيا بمثواه مرددا ما كان قد أنشأه وبناه:
وكومض البرق للماضي استعاد°°°ذكراه حســب الطريق الرشيد
عاد للقــــبر مطمــــــئنا أمــــينا °°°مرددا يتحدى لرائعات النشيد:
(عش عزيزا أو مت وأنت كريم °°°بين طعن القنا وخفق البــــنود
فرؤوس الرماح أذهـــــب للغيظ °°° وأشفى لغـــــل صدر الحقود
لا كما قد حييت غيـــر حمـــــيد °°°وإذا مــت مت غــــير فقــــيد
فاطلب العز في لظى ودع الـــذ °°° لَّ ولو كان في جنان الخــلود)
نهضت مذعورا وأنا افرك عيني مرددا ما ورد في الجزء الأخير، الداعي للنهوض وتقرير المصير، مرددا معها بشعبيات التعبير: إنشا لله خير.... إنشا لله خير.
أحمد المقراني
0 التعليقات:
إرسال تعليق