" زكية "
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
====================
تنويه :
أحداث النص وبطلته لهم وجود حقيقي على ارض الواقع .
وليس من فضل للكاتب على النص ؛ اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
إهداء :
إلى روح المرحومة " زكية "
.. وإلى كل " زكية " ...
( الكاتب )
==========================
" زكية "
.. في منتصف الليل أو ما بعده بقليل .. والكل يهجعون في سبات نوم عميق .. كان الصوت المدوي الصاخب يجلجل في أرجاء القرية من أدناها وحتى أقصاها .
.. صراخ أشبه ما يكون بالعويل .. بكاءً أشبه بالنحيب .. أقرب إلى الجنون منه إلى التعقل .. أقرب للصوت النسائي ..
" راحت عليكي ... راحت عليكي .. "
هذه العبارة كانت تتردد في جنبات القرية .. ينقلها هدوء الليل إلى كل بيت وبيت في القرية ..
لا يلبث أن يصاحب الصوت النسائي المدوي صوت تحطم آنية فخارية ضخمة .. البعض يسميها " الجرة " .. فتصدر صوتاً مدوياً كتفجير قنبلة .. يجلجل في المكان بأسره أثر الارتطام المدوي .. وتتناثر قطع وشظايا الآنية الفخارية وتطايرها في كل ناحية .
.. لا يلبث الصوت .. – الأقرب للصوت النسائي - . الهادر المجلجل أن يدوي صاخباً من جديد .. وكأنه يختتم السيمفونية النشاز :
" راحت عليكي .. راحت عليكي " .
في زياراتي المكوكية للقرية .. كان الكثير من الأمور وفي كل مرة يسترعي انتباهي .
" عين الماء " التي ما زال أهل القرية يحصلون منها على الماء اللازم لقضاء حاجاتهم الضرورية المنزلية والشرب منها ؟؟!!.
نسوة القرية وبناتها كن يتبخترن في الذهاب بجرارهن الفارغة .. والإياب بها وهي ملئى بالمياه العذبة السلسبيل من " عين الماء " يتمايلن في شوارع القرية ودروبها وهن يستعرضن فن حمل " الجرار " على رؤوسهن .. وبدون أن يمسكن بما يحملن من " جرار " بأيديهن ؟؟!! ..
مما كان قد سهل عليهن أمر تلك المهمة المسلية .. تلك الأوامر الصارمة المشددة من قبل أعيان القرية ووجائها ورجالاتها بعدم نزول الجنس ( الذكوري ) إلى عين الماء تلك بالمطلق وتحت أي ظرف كان ؛ فورود " عين الماء " كان حكراً على الجنس ( الأنثوي ) فحسب .
ليس هذا فحسب .. بل إن الأمر تعدى ذلك بكثير .. بأن الجميع ( سكان القرية ) قد اتفقوا على أن لا يقف أي شخص ( ذكوري ) قريباً من عين الماء تلك .. ولا أن يحاول التحرش بنساء وفتيات القرية ولو بأي حرف .. ومهما كانت صلة القرابة معهن .
كما أن غروب الشمس .. من كل يوم ؛ كان يعتبر بمثابة الحذر المشدد لبدء سريان أوامر التوقف التام من قبل نساء وفتيات القرية عن الذهاب إلى " عين الماء " لإحضار الماء .. فلا تجد أي امرأة أو فتاة ترد إلى " عين الماء " لتملأ آنيتها أو " جرتها " بالماء .. فمثل هذا وذاك محذور محذور .. ما بعد غروب الشمس مباشرة .. مهما كانت الأسباب واختلفت الدواعي .
فكنت أجلس إلى تلك النافذة العريضة التي كانت تعود لبيت أحد أقاربي ( بيت عمي أبو هاني - رحمه الله ) ؛ والمطلة على عين الماء تلك .. فأجلس مراقباً ذلك المشهد الجميل الرائع .. مشهد نسوة وفتيات القرية وهن يصلن لعين الماء تلك لملأ " جرارهن " بالماء العذب .
أراقب الأسراب " الأنثوية " المتتالية بزيها القروي الرائع المميز .. وقد حملن " الجرار " فوق رؤوسهن بحذق ودراية وفن .. فكان هذا وذاك يمثلان لوحة فنية رائعة راقية .
.. ففي منتصف الليل أو ما بعده بقليل .. والكل يهجعون في سبات نوم عميق .. كان الصوت المدوي الصاخب يجلجل في أرجاء القرية من أدناها وحتى أقصاها .
.. صراخ أشبه ما يكون بالعويل .. بكاءاًً أشبه بالنحيب .. أقرب إلى الجنون منه إلى التعقل .. أقرب للصوت النسائي ..
" راحت عليكي ... راحت عليكي .. "
هذه العبارة كانت تتردد في جنبات القرية .. ينقلها هدوء الليل إلى كل بيت وبيت في القرية ..
لا يلبث أن يصاحب الصوت المدوي صوت تحطم آنية فخارية ضخمة .. البعض يسميها " الجرة " .. فتصدر صوتاً مدوياً كتفجير قنبلة .. يجلجل في المكان بأسره أثر الارتطام المدوي .. وتتناثر قطع وشظايا الآنية الفخارية وتطايرها في كل ناحية .
.. لا يلبث الصوت .. – الأقرب للصوت النسائي - . الهادر المجلجل أن يدوي صاخباً من جديد .. وكأنه يختتم السيمفونية النشاز :
" راحت عليكي .. راحت عليكي " ..
تناهت هذه الأصوات إلى مسامعي بينما كنت مستغرقاً في النوم .. فنهضت من نومي فزعاً جزعاً مرتعشاً .. وقد أفزعني الأمر ؟؟!! ..
بحركة لا إرادية ؛ كنت أتوجه ناحية تلك النافذة التي كانت تطل على " عين الماء " .. حيث مصدر الأصوات الغريبة ؟؟!!..
رحت أتابع الأمر من خلال الضباب الكثيف .. لجحافل الظلمة الحالكة علني أتبين سر تلك الأصوات الغريبة .
لم يلبث أن تردد الصوت والصراخ المدوي من جديد عدة مرات متتالية .. وازداد ارتعاشي ووجلي .. فرحت أرتجف وأرتعش بشدة .
رحت أدقق النظر ناحية مصدر الصوت الذي كان يأتي من ناحية " عين الماء " ولم يلبث وبعد عدة دقائق أن أطل شبح امرأة عجوز ؛ استطعت أن أتبين ملامحها بصعوبة شديدة ..
منكوشة الشعر .. حافية القدمين .. مهلهلة الثياب .. تطوح بيديها في شتى الأنحاء وكل الأرجاء .. تناغماً مع صوت الصراخ الجنوني المتوالي .
أصابتني رعدة خوف شديدة .. هيئ لي بأنها إلى " الحمى " أقرب ..إرتعدت فرائصي بشدة .. وطرأ إلى ذهني تلك الحكايات التي اختزنت في ذاكرتي منذ عهد الطفولة الأولى ..
عن " الجنية " .. و " القتيلة " .. و " النداهة " ؟؟!!.. فتبادر إلى ذهني بأن ذلك الشبح يعود فعلاً لإحدى هذه الشخصيات الخرافية الخيالية وقد تجسدت واقعاً حقيقياً ؟؟!! .
تجمد الدم في عروقي .. ,أصابتني رعشة الحمى الرهيبة .. وانهمر العرق البارد من شتى أنحاء جسدي ووجهي .. ولم أعد أقوى على الحركة أو السير أو الهروب .. ولا على النطق بحرف طلباً للنجدة .. فكل ما صدر عني هو تلك الهمهمات والتمتمات .. وقراءة شيء من القرآن والمعوذات .
هذه وتلك ؛ كانت كفيلة بأن توقظ عمي " أبو هاني " ؛ الذي كان ينام في نفس تلك الحجرة .. فهب من نومه ملقياً بالغطاء بعيداً .. واندفع نحوي جزعاً .. وقد حسب بأنه قد أصابني مكروه أو عارض طارئ .
أمسك بيدي بحب وحنان بالغ .. ووضع يده الأخرى فوق جبيني يتحسس حرارتي .. ويقوم بقراءة بعض الآيات القرآنية والأدعية .
راح يهدئ من روعي بكلماته الطيبة ولمساته الحانية وابتسامته الساحرة ..
قادني حيث المقعد الجانبي في الحجرة وأجلسني بهدوء ورقة وروية .. وجلس إلى جانبي .. وراح يسألني بهدوء عما حدث ؟؟!! .
بالكاد ؛ إستطعت أن أتفوه ببعض الحروف والكلمات ...
- .. عين الماء .. الجنية ... راحت عليكي ؟؟!!
لم يلبث " العم " أن ابتسم ابتسامة ساحرة عذبة .. عريضة بعرض الكون وطوله .. راح يربت على يدي وكتفي .. هاتفاً برقة وعذوبة ...
- .. إنها .. " زكيه " ؟؟!!..
لم أفهم ما يقصده .. فنظرت نحوه ببلاهة من جديد مستفسراً ..
تابع " العم " حديثه وابتسامته الجذلى :
إنها " زكيه " .. " زكية المجنونة " .. وليست الجنية ؟؟!!..
انفرجت أساريري قليلاً .. ولكني تابعت نظراتي المتسائلة عن السر ؟؟!!..
راح " العم أبو هاني " يسرد الأمر على مسامعي .. بينما كانت الابتسامة الجذلى لا زالت تغطي محياه :
" زكية " هذه هي إحدى بنات القرية .. كانت امرأة جميلة .. جذابة .. رشيقة .. كانت زوجة لأحد أثرياء القرية .. طالت مدة زواجهما .. لعشرات السنين .. وكانت تحب زوجها حتى العبادة ..
" زكية " لم تنجب خلالها الأطفال بالمطلق .. في النهاية .. نفد صبر الزوج وقد تقدم به العمر وبزوجته .. فقرر أن يلحق بركب الحياة قبل أن يفوته قطارها ..
فكان له الأمر ..
.. تزوج .. نعم .. تزوج بامرأة اخرى أقل جمالاً وأقل سحراً وأقل جاذبية من " زكيه " ..
الزوج قرر – حسب أوامر الزوجة الجديدة – أن يأمر زوجته القديمة " زكية " بأن تملأ لهما " الجره " من ماء العين .. لكي يغتسل بها وعروسة في أول لقاء زوجي بينهما ؟؟!! .. فقامت " زكية " بتنفيذ الأمر مكرهة .. مجبرة ..
" زكيه " بدورها لم تتحمل تلك الإهانة الشديدة .. وتلك الصدمة الصاعقة .. ذهب لبها .. طار عقلها .. لم تستوعب الأمر برمته .. فقدت العقل إلى الأبد
عندما وصلت إلى " عين الماء " وهي تحمل " الجرة " ؛ أصابها مس من الجنون وقد شعرت بأنها طعنت طعنة نجلاء في قلبها ونفسها أكثر من مرة .. مرة عندما تزوج عليها زوجها بامرأة أخرى وأتى لها بـ " الضرة " ؛ ومرة أخرى عندما أمرها بأن تملأ " الجرة " بالماء لكي يغتسل هو وزوجته الجديدة في الصباح ؟؟!! .. فما كان منها سوى أن ملأت " الجرة " بالماء .. ثم قامت بحملها بقوة بين يديها وطوحت بها إلى الأرض .. وصرخت بجنون صراخاً مدوياً .. وهامت على وجهها في الطرقات .. في الأزقة .. ويبدو بأن العقل الظاهر عند " زكية " قد تلاشى تماماً .. وحل محله العقل الباطن .
.. كان انتقامها منصباً على " عين الماء " .. وعلى " الجرة " .. اللتين كانتا سبب الألم وسبب الجنون الذي أصابها – حسب اعتقادها - ..
قررت أن تنتقم من كل " جرار " القرية .. وأن تنتقم من " عين الماء " .. فكان لها في كل ليلة احتفالية انتقام غريبة ..
.. في منتصف الليل أو ما بعده بقليل .. والكل يهجعون في سبات نوم عميق .. كان الصوت المدوي الصاخب يجلجل في أرجاء القرية من أدناها وحتى أقصاها .
.. صراخ أشبه ما يكون بالعويل .. بكاءً أشبه بالنحيب .. أقرب إلى الجنون منه إلى التعقل .. أقرب للصوت النسائي ..
" راحت عليكي ... راحت عليكي .. "
هذه العبارة كانت تتردد في جنبات القرية .. ينقلها هدوء الليل إلى كل بيت وبيت في القرية ..
لا يلبث أن يصاحب الصوت المدوي صوت تحطم آنية فخارية ضخمة .. البعض يسميها " الجرة " .. فتصدر صوتاً مدوياً كتفجير قنبلة .. يجلجل في المكان بأسره أثر الارتطام المدوي .. وتتناثر قطع وشظايا الآنية الفخارية وتطايرها في كل ناحية .
.. لا يلبث الصوت .. – الأقرب للصوت النسائي - . الهادر المجلجل أن يدوي صاخباً من جديد .. وكأنه يختتم السيمفونية النشاز :
" راحت عليكي .. راحت عليكي " ..؟؟!!
------------------------
(( انتهى النص ... وما زال الصوت المدوي يتردد في جنبات نفسي وأرجاء روحي ...
... " راحت عليكي ... راحت عليكي .. "
هذه العبارة كانت تتردد في جنبات القرية .. ينقلها هدوء الليل إلى كل بيت وبيت في القرية ..
لا يلبث أن يصاحب الصوت المدوي صوت تحطم آنية فخارية ضخمة .. البعض يسميها " الجرة " .. فتصدر صوتاً مدوياً كتفجير قنبلة .. يجلجل في المكان بأسره أثر الارتطام المدوي .. وتتناثر قطع وشظايا الآنية الفخارية وتطايرها في كل ناحية .
.. لا يلبث الصوت .. – الأقرب للصوت النسائي - . الهادر المجلجل أن يدوي صاخباً من جديد .. وكأنه يختتم السيمفونية النشاز :
" راحت عليكي .. راحت عليكي " ..؟؟!! ))
0 التعليقات:
إرسال تعليق