كعادتي بعد أن اصحو أرتب غرفتي وأجهز نفسي وأجلس في شرفتي أشرب النسكافيه وأتأمل السماء كان تحت منزلي كافيه يفتح منذ الصباح أمام رواده لدرجة أني بدأت أعرف أسماؤهم
من كثرة مجيئهم لهذا المقهى نظرت إليه وجدت شخصاً جديداً أول مرة أراه على ما يبدو إنه ينتظر إحداهن
جلس طالباً فنجان قهوة أشعل سيجارته بدأ الدخان يتناثر في المكان
فتح حقيبته أخرج دفتراً وقلماً وبدأ يكتب
لمن لا أظن أنه يكتب لها
جاء النادل مصطحباً كوباً من الكرتون فيه قهوة ويرتدي قفازاً وماسكاً
قال له : ما هذا هل أنت من الفضاء ..؟؟
أجابه النادل : لا يا سيدي إنني حريص على سلامتي وسلامتكم
قال له : لماذا لم تأتي لي بفنجان قهوة كما طلبت منك .؟؟
أجابه : يا سيدي هذه تعليمات وزارة الصحة إننا نعاني من وباء خطير
صمت وتناول الكوب وشرب قهوته بهدوء
وعاد لقلمه ودفتره ليكتب
تسائلت أنا ماذا يكتب ؟
لمح من بعيد أناساً كثيرة ترتدي كمامات وقفازات ضحك هو من المنظر تسائل بينه وبين نفسه ماذا يحدث هل أنا في عالم آخر ..؟؟
تساؤلات كثيرة ربما دارت في ذهنه ماذا يحصل ولماذا جميع الناس هكذا ..؟؟
نادى النادل ليسأل عن وضع الناس
أيها النادل ماذا يحدث هنا ..؟؟
الناذل : يا سيدي قلت لك إننا نعاني من وباء خطير وهذه الاجراءات لحمايتكم من المرض ..
صمت قليلاً ونظر لساعته وقال بينه وبين نفسه
لقد تأخرت كثيراً أين هي الآن .؟
طلب فنجان قهوة وأشعل سيجارته الرابعة وهو مازال يتأمل الناس
هنا رن جواله
قال بلهفة : أين أنتِ يا حبيبتي ؟؟
ردت عليه : أنا مازلت أعمل هناك حالة طوارئ ولا أستطيع العودة أعذرني يا حبيبي المستشفى مملوء بالحالات المصابة
أجابها : لا بأس المهم أنكِ بخير
إني أنتظرك في المقهى القريب من عملك سأتصل على الأولاد ليأتوا إلي
قالت له : حاضر يا زوجي العزيز
أغلق الجوال وتنهد اشعل سيجارته وبدأ يدخن بشراهة
أتى الناذل ليقول له : عذراً سيدي هل أجلب لك كوباً من القهوة
قال له : لا بأس فالسجائر تطلبها
ضحك ضحكة بصوتٍ عالٍ
اتصل على أولاده
قال لهم اخبروا السائق أن يوصلكم للمقهى القريب من عمل ماما
رد عليه السائق : حاضر سيدي
وعاد ليكتب أنا في الحقيقة لا أعرف ماذا يكتب كنت أراقبه من بعيد
كان مشتت الذهن سارحاً في الكون
مر الوقت ومازال ينتظر عودة زوجته وأولاده
أتى الأولاد سلموا عليه دون أن يحتصنوه
سألهم أين قبلة بابا .؟؟
رد عليه إبنه الصغير وقال له :
القبلات ممنوعة حتى إشعار آخر هكذا قالت لنا المعلمة حفاظاً على صحتنا
ضحك الأب ونادى للناذل طالباً منه طعام لأولاده
قالت له ابنته الكبرى المدرسة أغلقت حتى أشعار آخر
قال لهم : ما حكاية إشعار آخر
قالوا له : إنها تعليمات وزارية
ضحكوا جميعا بينما النادل يحمل أطباق كرتونية وأشواك وملاعق بلاستيكية
استغرب الأبناء لكن الأب قال لهم :
إنها اجراءات احتياطية كما يقولون
بدأ الأولاد بالأكل هنا أتى النادل ومعه مطهر قال لهم :
انتظروا عقموا أيديكم قبل الأكل فهناك وباء خطير
بعد انتهاء التعقيم بدأ الأولاد بالأكل
ومازال هو يشرب قهوته ويدخن سيجارته
لا استطيع أن أحصي عدد السجائر التي دخنها
لكن على ما يبدو إنها العاشرة مع رابع فنجان قهوة
فضولي يقتلني أريد أن أعرف ماذا يكتب
كان منهمكاً في الكتابة ودخان سجائره يملأ المكان
اتصل بزوجته
قال لها : لقد تأخرتِ هيا يا حبيبتي فأنا لم اتعود غيابك
قالت له : لا أستطيع العودة المستشفى في حالة طوارئ والأبواب مغلقة اعتني بنفسك والأولاد وأنا بخير
لم يتمالك أعصابه
قال لها : لن أعود لمنزلنا سأنتظرك في المقهى
قالت له : حاضر سأحاول
وضع جواله على الطاولة وطلب فنجان قهوة وراح يشعل سيجارة من سيجارة
ويكتب انهمر في الكتابة كان مسرعاً ربما يكتب حساباته أو مذكراته لا أعلم
بدأ يقلب صفحات دفتره وقلمه يخط الكلمات
جاء بائع الجرائد يصرخ ويقول :
أخبار .. أخبار
أخر خبر وباء يكتسح المجتمع تعال وأقرأ أخر الأخبار
الموت يحاصر العالم جثث تملأ المكان
تعال أقرأ أخر الأخبار
ناداه وأخرج نقوداً ليشتري جريدة
قرأها بتمعن
كان الخبر الرئيسي هو انتشار وباء وهناك حالات موت في أكثر من بلد
انتهى من القراءة ورمى الجريدة في سلة المهملات
أمسك سيجارة واشعلها
طلب من النادل فنجان قهوة
وعاد يكتب كان منشغل الفكر يكتب قليلاً ويسرح قليلاً
أريد أن أعرف ماذا يكتب وما هي قصة هذا الرجل
أولاده بدأوا يتعبون طلب لهم عصير برتقال
سألوه عن أمهم
تناول جواله وأتصل بزوجته
ردت عليه على ما يبدو ممرضة يعرفها
سألها عن زوجته قالت له :
زوجتك مصابة بمرض خطير وهي الآن في الحجر الصحي
صرخ بها وقال :
ماذا تقولين . .؟
قالت له كما سمعت يا سيدي
أمسك قلمه وكتب شيئاً ترك دفتره على الطاولة اصطحب أطفاله قاد سيارته مسرعاً ومضى
شدة فضولي دعتني للنزول لأقرأ ما كتب
ربما أصيبت بفايروس كورونا
لم تكن تعتقد أنها ستصاب به ..
ربما كانت تظن أنه بعيد عنها .. ولكنها في النهاية أُصيبت به ..
..
كان مكتوب بالخط العريض
قصة " قهوة في زمن الكورونا "
للكاتب " عبد الرحمن حمدونة "
0 التعليقات:
إرسال تعليق